في زمنٍ تتقاذفه رياح التحولات الإقليمية والصراعات الدولية، تبقى بعض العلاقات عصية على التآكل، محصنةً بجذورها العميقة ومصالحها المتشابكة. من بين هذه العلاقات، تبرز العلاقة السودانية المصرية، لا كتحالف عابر أو شراكة ظرفية، بل كـ”مصير متداخل” يتجدد مع كل أزمة، ويقوى مع كل تحدٍ.
من مدينة بورتسودان، خرجت رسائل ليست جديدة في مضمونها، لكنها مختلفة في توقيتها ودلالاتها. لقاء الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالسفير المصري هاني صلاح، لم يكن مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل إعادة تذكير بأن ما يجمع السودان ومصر أكبر من حدود، وأقوى من تقلبات السياسة.
مصر في السودان… والسودان في مصر
لسنا بحاجة إلى خارطة لإثبات القرب، ولا إلى معاهدات لتأكيد المصالح. فالماء واحد، والسماء واحدة، والتاريخ لا يفرق بين ضفتي النيل. لهذا، فإن الرسائل المتبادلة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة، لم تكن سوى امتدادٍ لصوتين شعبيين يصرخان: نريد بعضنا.
حين تتكلم المشاريع بلغة الشعوب
الحديث عن لجنة وزارية تجارية مشتركة وملتقى رجال أعمال سوداني – مصري، لا يعني فقط تحريك عجلة الاقتصاد، بل هو اعتراف بأن الشعوب لا تأكل من الخطابات، بل من الخبز المنتج بالتكامل، والمعرفة المتبادلة، والتخطيط المشترك.
النيل… قلب الشراكة وروحها
ولأن لكل علاقة “ملف اختبار”، فإن مياه النيل تبقى الملف الأكثر حساسية ووضوحًا. وما دام السودان يؤكد دعمه الكامل لمصر في هذه القضية الوجودية، فإن ما نراه ليس مجرد تنسيق فني، بل تحالف وجودي دفاعًا عن حق الحياة، في مواجهة مشاريع تعيد تشكيل الجغرافيا بلا روح.
مصر في إعمار السودان… الموقف قبل المال
ما يميز الموقف المصري أنه لا يستثمر في الأزمة، بل يقف إلى جوار السودان بوضوح. من إعادة الإعمار إلى دعم المؤسسات، ومن المبادرات الدبلوماسية إلى الحضور الفعلي على الأرض، تتصرف القاهرة بوصفها شقيقًا، لا وصيًا، وبشراكة، لا بمنة.
وكل الذين يخرجون من مصر اليوم يحملون الود للشعب المصري وهم يلوحون من محطة السكك الحديديه والمواني الجافة التي نقل السودانين الي بلدهم لاعمارها والتاكيد الي محبتهم الي اخوانهم في شمال الوادي ارض الكنانه مصر ام الدنيا
من حيث تبدأ الحكاية
لا تحتاج العلاقة السودانية المصرية إلى شهادة من التاريخ، بل تحتاج إلى إيمان من الحاضر. وما حدث في بورتسودان يؤكد أن الطريق نحو تكامل حقيقي لم يعد أمنية، بل خيارًا استراتيجيًا تمليه التحديات، وتدعمه الشعوب، وتؤمن به القيادات.
في زمن تهاجر فيه المعاني من لغة السياسة، يظل هذا التكامل مرسى نحتاجه جميعًا… مرفأً من الصدق وسط بحار العواصف.