بين ركام الخراب وأشلاء المدن المنهوبة، يرفع الشعب السوداني صوته عاليًا رافضًا محاولات “التدوير السياسي” لقوات تسببت في واحدة من أبشع الحروب التي شهدها السودان. لا يمكن – بأي حال من الأحوال – أن تُغسل يد تلطخت بدماء الأبرياء ببيان سياسي أو تفاهمات خارجية تُمرر تحت مظلة “الحلول الدولية”.
قوات الدعم السريع – والتي باتت في وعي أهل السودان مرادفًا للخراب والمأساة – مارست تدميرًا ممنهجًا للبنية التحتية في العاصمة والمدن السودانية، واستباحت الحرمة العامة والخاصة، فانهارت المستشفيات، واحترقت الجامعات، وامتد التخريب ليشمل كل ما هو رمزيٌّ في وجدان السودان.
وسط هذا المشهد، تطلُّ “الرباعية” الدولية (أمريكا، السعودية، الإمارات، وبريطانيا) بمواقف تراوح بين الغموض والتناقض، وتحديدًا السعودية وأمريكا، اللتان رعتا حوار جدة منذ بداية الحرب، لكن النتائج كانت مخيبة، بل مدمّرة. فالحرب تمددت، والدماء سالت، والشعب دفع الثمن باهظًا.
المعضلة الكبرى تتمثل اليوم في الدور الذي تلعبه بعض أطراف الرباعية – وعلى رأسها الإمارات والولايات المتحدة – في دعم التمرد وتغذيته بالسلاح والعتاد، دون أدنى اعتبار للقيم أو حتى القانون الدولي. السلاح الأمريكي الموجود بيد قوات الدعم السريع، والذي وصل تحت أعين وأصابع الإمارات، ليس سهوًا ولا مصادفة، بل هو تمويل واضح وتمكين مكشوف.
الشعب السوداني اليوم يقولها صريحة: لا دور لأمريكا أو الإمارات في الشأن السوداني الداخلي، ولا قبول بأي محاولة لإعادة تدوير مليشيا الدعم السريع تحت أي اسم، أو دفعها مجددًا نحو المسرح السياسي بطلاء جديد وأجندة قديمة.
الفريق أول ياسر العطا، عضو مجلس السيادة، عبّر بوضوح عن ما يريده السودانيون جميعًا: أن تضع هذه القوات السلاح، وأن تُسلم نفسها، وأن تمثل أمام محاكم عادلة تقتص لكل ضحية، ولكل دم أُريق، ولكل مدينة نُهبت، ولكل امرأة أُغتصبت، ولكل شيخ قُتل، ولكل طفل تيتّمت أيامه مبكرًا.
لا يمكن أن تستقيم الدولة، ولا يُبنى السودان الجديد على رمالٍ من الدم والنار. العدالة وحدها هي الطريق، والقصاص هو العنوان، لا مساومة في الحقوق، ولا شراكة مع من تمرّد، ولا غفران لجريمة بحجم الوطن.
السودانيون، الذين تحملوا الألم وصبروا على الخذلان، يرفضون أن يُفرض عليهم واقع مشوه، أو أن يُعاد إنتاج الأزمة بثياب جديدة. فالتمرد لا يُكافأ، والمليشيا لا تُشرعن، والوطن لا يُباع في سوق الصفقات الدولية.
هذا ما يريده السودانيون، وهذا ما يجب أن يسمعه العالم.