يعيش السودان اليوم لحظة فارقة في تاريخه، لا بسبب حربٍ واحدة، بل بسبب حزمة من الحروب المتزامنة والمتشابكة، التي تنهش جسده من كل اتجاه. فإلى جانب المعارك العسكرية الدائرة مع مليشيات الدعم السريع، هناك حرب أكثر تعقيدًا تدور في الخفاء: حرب ضد الجريمة المنظمة، وضد الاتجار بالبشر، وضد المخدرات التي تفتك بالشباب، وضد الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة، وحرب المدنية ضد المؤسسة العسكرية وكان هذه المؤسسة بتكوينها ليست من رحم السودان وهذه الحرب لها ان تقف الان ونستبدلها بالعرفان وندرسها لاجيالنا كانتماء حقيقي للوطن وتكون امتداد للحرب ضد الجهوية والعنصرية التي تهدد نسيجه الاجتماعي.
لكن الحرب الأخطر، وربما الأطول أمدًا، هي تلك التي تخاض في جبهة القيم، حيث يواجه المجتمع السوداني معركة لبناء الإنسان، وتربية الأجيال الجديدة على أسس الوطنية والانتماء والوعي، في وجه الجهل والفقر ومحاولات تغريب الهوية.
السودان، هذا البلد العريق الذي أنجب حضارة ضاربة في القدم، لا يزال يقف شامخًا رغم التحديات. فالتعدد القبلي والثقافي فيه ليس عبئًا، بل كنز حقيقي يمكن أن يكون ركيزة لبناء دولة موحدة قوية، إذا ما أُحسن استثماره في دعم التعايش والمواطنة، بدلًا من أن يكون وقودًا للصراعات والانقسامات.
ما يجب أن يدركه السودانيون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو أن تمسكهم بالوحدة الاجتماعية هو صمام أمان بقاء الوطن. فعدوهم الخارجي يراهن على تفتيت الجبهة الداخلية، ويبحث في كل زاوية عن ثغرة يدخل منها، يحرّك الأذرع، ويؤجج النزاعات، طمعًا في الثروات الطبيعية وموقع السودان الجيوسياسي الحساس.
لكن، وعلى الرغم من كل الدمار الذي خلفته الحرب، فإن في رحم المعاناة فرصًا للتغيير. السودان يمكن أن ينهض من جديد، إذا ما تم التعاطي مع الواقع بشجاعة وعقلانية، وفهمنا أسباب الحرب ومآلاتها، وتعلمنا من التجارب المريرة، ورسمنا طريقًا نحو المستقبل على أسس وطنية صلبة، لا مكان فيها للجهوية ولا الولاءات الضيقة.
مستقبل السودان لن يُرسم بالرصاص، بل بالإرادة الواعية، والتخطيط المدروس، والاستثمار في الإنسان أولًا. هذه هي المعركة الحقيقية التي لا بد أن نربحها، مهما طال أمد الحروب الأخرى.