30.5 C
Port Sudan
الأربعاء, سبتمبر 10, 2025

مرفأ الكلمات.. عثمان عولي.. إثيوبيا والسودان: بحث متجدد عن علاقات استراتيجية في ظل واقع متغير



رغم اشتعال الحرب في السودان، تبقى إثيوبيا في موقف ضبابي حيال الأزمة، تتأرجح بين الحذر والتريث، على الرغم من المؤشرات الدبلوماسية التي لا يمكن إغفالها، كزيارات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى مدينة بورتسودان ولقائه برئيس مجلس السيادة السوداني. ورغم هذه التحركات، فإن ما دار في هذه اللقاءات ظل طي الكتمان، ولم تسفر عن مواقف سياسية واضحة، مما يثير التساؤلات حول النوايا الحقيقية لإثيوبيا وأولوياتها الإقليمية في المرحلة الراهنة.
السودان… الجار الذي لا غنى عنه
تدرك إثيوبيا، بما لا يدع مجالاً للشك، أن السودان يمثل بالنسبة لها جارًا استراتيجيًا يصعب تعويضه. فالحدود الطويلة بين البلدين تكتظ بحركات المعارضة، وتشهد من حين إلى آخر توترات أمنية تلقي بظلالها على الاستقرار في الإقليم.
من الناحية الاقتصادية، تمثل الأراضي الزراعية الخصبة في السودان بعدًا حيويًا لإثيوبيا التي تواجه تحديات داخلية في مجال الأمن الغذائي. كذلك، فإن فقدان إثيوبيا لمنفذها البحري عقب استقلال إريتريا يجعل من موانئ السودان على البحر الأحمر شريانًا أساسيًا لحياة الاقتصاد الإثيوبي، الذي يعاني من إرهاق شديد.
زيارة استخباراتية وملفات عالقة
في هذا السياق، جاءت زيارة مدير جهاز المخابرات الإثيوبي للسودان، والتي يُنظر إليها كمحاولة لجس النبض وتحريك الملفات العالقة، في ظل حالة الجمود التي تسيطر على العلاقات الثنائية. وهي خطوة قد تعكس إدراكًا إثيوبيًا متزايدًا بأن المصلحة تقتضي إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية، خاصة مع اقتراب الحرب في السودان من مرحلة الحسم، حيث بدأت كفة الجيش تميل إلى السيطرة، ما يعيد رسم خارطة النفوذ في المنطقة.
دور إماراتي… أم خيارات جديدة؟
ويبرز هنا سؤال جوهري: هل ما زالت الإمارات اللاعب الأبرز في الساحة الإثيوبية؟ فقد ضخت أبوظبي استثمارات ضخمة في البنوك والمؤسسات الإثيوبية، وساهمت في إنعاش اقتصاد أنهكته الأزمات السياسية والعرقية. لكن في ظل تغيّر موازين القوى في السودان، هل ستظل إثيوبيا ترهن علاقاتها مع الخرطوم بميزان المساعدات الخارجية؟ أم أنها بدأت تعي أهمية خلق توازنات إقليمية قائمة على المصالح المتبادلة لا التبعية الاقتصادية؟
المستقبل: شراكة أم افتراق؟
إن ما يمكن أن تجنيه إثيوبيا من تطوير علاقاتها مع السودان لا يقتصر على المصالح الاقتصادية والأمنية، بل يمتد إلى أبعاد استراتيجية تتصل بعلاقاتها المتوترة مع مصر. فالسودان، بحكم موقعه الجغرافي وصلاته التاريخية، يمكن أن يشكل جسرًا للحوار والتقارب بين أديس أبابا والقاهرة، لاسيما في ملف سد النهضة، الذي بات عنوانًا دائمًا للتوتر بين العواصم الثلاث.
تبدو إثيوبيا اليوم أمام لحظة حاسمة في صياغة علاقتها مع السودان. فالتطورات الداخلية في كلا البلدين، والمتغيرات الإقليمية والدولية، تفرض على أديس أبابا إعادة تقييم مواقفها. خيار الشراكة الاستراتيجية مع السودان لم يعد ترفًا دبلوماسيًا، بل ضرورة تمليها حقائق الجغرافيا، ومصالح الأمن القومي، ومقتضيات الاقتصاد.
ويبقى السؤال معلقًا: هل تلتقط إثيوبيا الفرصة قبل فوات الأوان؟

أخبار اليوم
اخبار تهمك أيضا