30.5 C
Port Sudan
الأربعاء, سبتمبر 10, 2025

مرفأ الكلمات.. عثمان عولي.. حكومة كامل إدريس بين ركام الحرب وآفاق المستقبل



وسط دخان الحرب وأصوات البنادق، أدى الدكتور كامل إدريس اليمين الدستورية رئيسًا للوزراء في السودان، محاطًا بآمال عريضة من شعب أنهكه الانقسام، وأرهقته الأزمات المتوالية، ليبدأ مرحلة جديدة من التاريخ السياسي السوداني، يتطلع فيها المواطنون إلى بصيص أمل يعيد إليهم وطنًا تكسّرت أحلامه على صخور الحروب والتشاكس السياسي.
تسلم إدريس مقاليد السلطة التنفيذية في وقت حرج من تاريخ البلاد، حيث لا ترف في الزمن ولا فسحة للمراوغة. فالملفات الثقيلة، التي تراكمت عبر عقود من سوء الإدارة والانقلابات العسكرية والتدخلات الأجنبية، باتت اليوم تتطلب قيادة استثنائية تمتلك من الرؤية والحكمة ما يؤهلها لعبور هذا النفق المظلم.
كأنما يحمل عصا موسى
ليس مبالغة أن يُنظر إلى كامل إدريس وكأنه يحمل عصا موسى، في ظل تعقيدات لا تُحصى، تبدأ من حرب لم تضع أوزارها بعد، وتصل إلى اقتصاد منهار، وغياب كامل لمؤسسات الدولة، وتشتت للقوى العسكرية والأمنية، وانقسامات اجتماعية وجهوية حادة.
فمنذ ما قبل الاستقلال، والسودان يعيش على إيقاع أزمات مستمرة، بدأت بحرب الجنوب، وتواصلت عبر أنظمة متعاقبة لم تنجح في بناء مشروع وطني جامع. وتفاقمت الأوضاع مع تصاعد التدخلات الخارجية، وتضارب المصالح بين الشرق والغرب، وتعقّد العلاقات على المستويين العربي والإفريقي.
حكومة الفرصة الأخيرة
يعلّق السودانيون آمالهم على حكومة إدريس باعتبارها “حكومة الفرصة الأخيرة”. وتكمن المفارقة في أن نجاحها لا يرتبط فقط بالكفاءة الإدارية، بل بالقدرة على تفكيك شبكة المصالح العميقة التي عطّلت بناء الدولة الحديثة.
تحديات الحكومة الجديدة تتطلب اختيار فريق وزاري بمواصفات دقيقة، يرتكز على الكفاءة والنزاهة والوطنية، لا على المحاصصة الحزبية أو الترضيات القبلية والجهوية. فالسودان لم يعد يحتمل تكرار الأخطاء السابقة، ولا بد من قطيعة واضحة مع ثقافة “تقسيم الكعكة”.
إعادة بناء الدولة
من أولى مهام حكومة إدريس استعادة هيبة الدولة، عبر توحيد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وحل جميع الميليشيات المسلحة، وإعادة تنظيم المؤسسات السيادية على أساس وطني صرف، بعيدًا عن التسيس والولاءات الضيقة.
كما أن المسار نحو السلام الشامل يمر عبر مفاوضات جادة تنهي الحرب المستمرة، وتفتح المجال أمام إعادة الإعمار والتنمية، مستفيدة من علاقات دولية متوازنة تراعي مصالح السودان أولاً، دون الانحياز الأعمى لأي محور.
الطريق إلى المستقبل
الطريق أمام كامل إدريس ليس مفروشًا بالورود، لكنه ليس مستحيلاً. فبقدر التحديات، هناك فرص حقيقية لبناء سودان جديد، شرط أن تتكاتف الجهود الشعبية والرسمية، وأن يتحلى المواطنون بالصبر، ويدعموا حكومتهم في معركة استعادة الدولة من ركام الحرب.
إن السودان يقف اليوم عند مفترق طرق. فإما أن يسير في درب التعافي والبناء، وإما أن يعيد إنتاج أزماته بصورة أكثر قسوة. والرهان على رجل بحجم وخبرة كامل إدريس، قد يكون الأمل الأخير في إنقاذ الوطن.

أخبار اليوم
اخبار تهمك أيضا