في ظل التحولات المتسارعة على الساحة السودانية، جاءت زيارة السياسي السوداني مبارك الفاضل المهدي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة محمّلة بتساؤلات وتكهنات حول أبعادها السياسية، خاصة في وقتٍ تتراجع فيه مكانة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) على المستوىين الإقليمي والدولي، إثر فشل مشروعه العسكري في فرض نفسه كقوة سياسية مستدامة.
محاولة إعادة تشكيل الرهانات
لا يُستبعد أن تكون الزيارة الأخيرة لمبارك الفاضل جزءًا من مسعى إماراتي لإعادة تشكيل الأوراق في السودان بعد أن أصبح من الواضح أن الرهان على حميدتي لم يثمر كما توقعت أبوظبي. الدعم الإماراتي المعلن وغير المعلن لقوات الدعم السريع، والتي وُجهت إليها اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان وتدمير البنى التحتية في عدة مناطق من السودان، ألحق ضررًا بالغًا بصورة الإمارات لدى قطاعات واسعة من الشارع السوداني، الذي بات يرى في أبوظبي طرفًا في الصراع لا وسيطًا محايدًا.
مبارك الفاضل: البديل الممكن؟
لكن، هل يشكّل مبارك الفاضل بديلًا فعليًا لحميدتي في نظر الإمارات؟ الفاضل، المعروف بتقلّب مواقفه السياسية وتردده في اتخاذ القرار، لطالما اتسم أداؤه السياسي بالانفعال أحيانًا والتأخر في الحسم في أحيان أخرى. سجله السياسي يحمل محطات متباينة، ما يجعله شخصية يصعب تصنيفها ضمن تحالفات ثابتة أو مشاريع استراتيجية طويلة المدى.
وعليه، فإن اختيار الإمارات له – إن صحّت الفرضية – لا يبدو رهانًا قويًا بقدر ما هو محاولة لتجريب بديل جديد، ربما يكون أكثر قابلية للتحرك السياسي المرن، وأقل تكلفة من حيث الرصيد العسكري أو الالتزامات الأمنية، مقارنة بحميدتي.
الشارع السوداني: فقدان الثقة بكل من حملوا “الأمل المزيف”
السياق السوداني اليوم لا يشبه الأمس. المزاج العام للشارع تغيّر بصورة جذرية، ولم تعد النخب السياسية القديمة قادرة على تقديم نفسها كبديل مقبول. زيارة الفاضل للإمارات جاءت متأخرة في توقيتها، حيث يواجه الرأي العام السوداني اليوم حالة نفور واضحة من أي مبادرة تُدار من الخارج، لا سيما من الإمارات، التي باتت تُحمَّل مسؤولية دعم ميليشيا ساهمت في تمزيق النسيج الوطني وتعطيل مشروع الدولة المدنية.
الإمارات ودورها المرتبك
الإمارات، من جهتها، تواجه معضلة في إدارة علاقاتها في السودان. فبعد أن تآكلت شرعية حميدتي محليًا ودوليًا، تبحث عن واجهة سياسية يمكن من خلالها الحفاظ على نفوذها، لكن الوقت قد يكون فات على إعادة تدوير الأسماء التقليدية. فالمواطن السوداني بات أكثر وعيًا وإدراكًا للعبة المحاور، ورفضه المتنامي لأي دور إماراتي ينبع من تجربة مريرة مع آثار هذا التدخل.
الرهان الخاسر
في ضوء ما سبق، فإن زيارة مبارك الفاضل إلى الإمارات قد لا تُحدث الفارق الذي ترجوه أبوظبي. فالشخصية التي تأتي إلى المشهد بعد فوات الأوان، وتفتقد إلى التماسك في المواقف، لن تكون الأداة التي تُعيد ترتيب الأوراق أو تُملي مستقبل السودان. وإذا ما استمر الرهان الإقليمي على أدوات بالية وشخصيات غير مؤثرة في الشارع، فإن النتيجة المرجحة هي المزيد من الفشل السياسي، واتساع الفجوة بين الداخل السوداني وأجندات الخارج.