30.7 C
Port Sudan
الأربعاء, سبتمبر 10, 2025

مرفأ الكلمات.. عثمان عولي.. معارك كردفان بين استنزاف المليشيات والانتصارات الوهمية



في مشهد تتقاطع فيه الحسابات العسكرية مع التحولات النفسية، حققت الميليشيا انتصارًا مهمًا – بحسب وصفها – في محور كردفان، وذلك باستعادة مناطق كانت قد حررها الجيش السوداني مؤخرًا. هذا “الانتصار” لم يأتِ فقط كتحرك ميداني، بل كضرورة استراتيجية ونفسية للميليشيا، التي تكبّدت في الأسابيع الماضية هزائم موجعة، أبرزها في أم درمان، مما أدى إلى انهيار كبير في معنويات مقاتليها، واهتزاز ثقة قواعدها ومؤيديها.
الميليشيا، التي تعاني من تصدعات داخلية وفقدان مستمر للثقة بين عناصرها، كانت بحاجة ماسة إلى نصر يعيد لها توازنها، ولو مؤقتًا. وقد لعبت معارك كردفان هذا الدور، إذ من المتوقع أن تسهم في ترميم الحالة النفسية لعناصرها، وتطمين حاضنتها الاجتماعية والسياسية التي بدأت تنفضّ من حولها بفعل تقدم الجيش المستمر. بل وربما تدفع هذه التطورات بعض المترددين من عناصرها للعودة إلى ساحة القتال، بعد أن كانوا على وشك التسليم أو الانضمام لصفوف القوات المسلحة.
ولعل التصريحات التي أدلى بها عبدالرحيم دقلو قبل أيام حول “ضرورة استعادة المواقع في كردفان” تكشف عن مدى الإصرار الذي كانت تبديه قيادة الميليشيا لخوض هذه المعركة مهما كان الثمن.
خسائر باهظة في مقابل مكتسبات وقتية
غير أن هذا “النصر” لم يكن بلا ثمن، فقد تكبدت الميليشيا خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، لا سيما في محور الخوي، الذي شهد مواجهات عنيفة. كما اضطرت الميليشيا لتوجيه جهدها العسكري نحو كردفان بدلاً من الفاشر، وهو ما يُعد مكسبًا استراتيجيًا للجيش، إذ نقلت المعركة إلى ساحة مفتوحة يتمتع فيها بخطوط إمداد نشطة ومتصلة، عكس الوضع المحاصر الذي تعيشه القوات المسلحة في دارفور.
ورغم أن الجيش تراجع في بعض المواقع، فإن خوض المعركة من موقع مريح لوجستيًا يُعد عنصرًا حاسمًا في المعارك الحديثة، حيث بات عنصر الإمداد والقدرة على التجدد والتعافي أهم من اكتساب الأرض مؤقتًا.
انسحاب تكتيكي أم هزيمة؟
لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان تراجع الجيش في كردفان هزيمة ميدانية حقيقية أم انسحابًا تكتيكيًا منظمًا، وهي فرضية قائمة تستحق التمحيص. فالقوات المسلحة التي دخلت المنطقة بغرض الهجوم، يُفترض أنها أعدّت العدّة لذلك، وهو ما يقلل احتمال التراجع لأسباب تكتيكية. لكن في المقابل، قد تكون واجهت هجومًا عنيفًا دفعها إلى التقدير بأن الخسائر المتوقعة تفوق المكاسب المحتملة، فاختارت الانسحاب لإعادة التمركز وتنظيم الصفوف.
في مقابل ذلك، تُظهر الميليشيا استعدادًا لخوض معارك خاسرة بشريًا وماديًا إذا كانت تحقق لها أهدافًا رمزية أو نفسية، وهي منهجية تختلف تمامًا عن حسابات الجيش الذي لا يدخل معركة إذا كانت كلفتها تفوق قيمتها الاستراتيجية في السياق العام للحرب.
النتيجة لا تُحسم في منتصف الطريق
في النهاية، تظل معركة كردفان جزءًا من مشهد أكبر وأكثر تعقيدًا، لا يُمكن فصله عن الزمن والمكان. فالتقدم أو التراجع، السيطرة على الأرض أو خسارتها، جميعها مؤشرات جزئية لا تكتسب معناها الكامل إلا في ضوء النتيجة النهائية للمعركة. فلا انتصار يُحسب بمعزل عن السياق، ولا تراجع يُعد هزيمة ما لم يترتب عليه انهيار في البنية الكلية للقتال.
معركة كردفان ليست نهاية الطريق، بل فصل جديد في حرب طويلة الأمد تتطلب النفس الطويل، والتقدير الحكيم لكلفة المعركة. وبينما تراهن الميليشيا على المعنويات والمؤثرات النفسية، يعتمد الجيش على التنظيم والانضباط والتخطيط بعيد المدى. ويبقى الدعاء أن ينصر الله جيشنا، ويتقبل شهداءه، ويشفي جرحاه.

أخبار اليوم
اخبار تهمك أيضا