توقّفتُ عن الكتابة لثلاثة أيام، كأن الكلمات قد أضربت عني، أو كأن الوجع الذي سكنني قد أغلق بوابات التعبير، حتى جاءتني رسالة بسيطة لكنها مشبعة بالودّ والاهتمام، كُتِب فيها:
“أستاذ، لعل المانع خير.. منذ ثلاثة أيام لم نقرأ لك شيئاً. من باب الفقد أكتب إليك، وأتمنى أن يكون المانع خيراً.”
رددت باختصار: أنا بخير، وأسرتي كذلك، لكنني أعيش حالة من الحزن العميق، ألم نفسي يجعل الكلمات تتعثر، ويثقل القلم. هناك من سأل، وهناك من ظنّ أن غيابي سببه انشغالي بالسفر، لكنّ ما لم يعرفوه أن قلبي كان معلقاً بأمر آخر، أقسى من الغياب، وأشدّ وطأة من المسافات.
من بين زملاء المهنة، وفي قروب يضم أعمدة التلفزيون السوداني، وصلتني صور ومقاطع فيديو بعث بها الدكتور وخبير الإعلام محجوب محمد أحمد، توثّق لحالة زميلنا العزيز، الخبير والمبدع والمونتير البارع، الأستاذ أبوبكر حسن الشريف. ذاك الرجل الذي طالما نسج لنا من لحظات البثّ سحرًا، ومن شاشات التلفاز إبداعًا، يشكو اليوم ألماً لا يُحتمل.
أبوبكر، ابن القضارف البار، الذي نقش اسمه بسيرته البيضاء ومهنيته العالية، يعاني من الشلل الرعاش، ويحتاج لزرع جهاز طبي يعينه على الحياة دون وجع. تكلفة العلاج تبلغ 22 ألف دولار، والمفارقة المحزنة أن كل زملائه، رغم محبتهم الكبيرة له، لم يستطيعوا بعد إكمال هذا المبلغ. لكن القلوب اجتمعت، وتداعت، لا حباً فقط بل وفاءً له، واحتراماً لما قدّمه.
أقولها بألم: رأيتُ الصور والفيديوهات، واعتصرني العجز، شعرت بأن يدي مغلولة إلى عنقي، لا أملك له سوى الدعاء والنداء. من منا لا يعرف أبوبكر الشريف؟ من لم ينبهر بمونتاجه المبدع في برنامج “عالم الرياضة” وغيره من البرامج؟ من لم يتعلّم من لمسته الفنية الفريدة؟
لقد رحل مبدعون كُثر عن قسم المونتاج: متولي موسى، وكمال منزول، وغيرهم. رحلوا وتركوا فينا وجعًا لا يُنسى. وها نحن اليوم نرى أخًا آخر من ذات الكوكبة يقف على مفترق أمل، يحتاج فقط أن نكون بجانبه، أن نمد له أيدينا قبل أن تغلق الأقدار نافذته الأخيرة.
هذه ليست مجرد دعوة للمساعدة، بل نداء ضمير، نداء قلب. إن كانت الكلمات التي أكتبها ترسو في قلوبكم، فاجعلوها مرفأ ليد الخير، وساهموا، كلٌ بما يستطيع، في علاج الأستاذ أبوبكر الشريف. لا نريده أن يذكرنا بالألم، بل أن يبقى بيننا كما كان: مبدعًا، نقيًا، ملهماً.
اللهم اشفه شفاء لا يغادر سقماً، وأعده لعائلته ومحبيه سالماً، ولنا جميعاً، زميلاً وفياً ومعلماً عظيماً.

