32.6 C
Port Sudan
الثلاثاء, سبتمبر 9, 2025

الحرب تعمق ظاهرة زواج القاصرات في السودان

بورتسودان – سلمى الشيخ سعد

تزايدت معدلات زواج القاصرات في السودان بشكل مقلق نتيجة الحرب المندلعة منذ أكثر من (19) شهراً، وتخشى المجتمعات التي تقطن في مناطق النزاع المسلح تعرض الفتيات للعنف الجنسي المتصل بالنزاع، لذلك شرعت في تزويج اليافعات في سن مبكرة كوسيلة لحمايتهن.

ويعتبر السودان البلد رقم (29) في ترتيب الدول التي تشهد أعلى معدلات لزواج الأطفال، وتستمر هذه الظاهرة في الانتشار، حيث يقدر أن واحدة من كل ثلاث فتيات في البلاد يتم تزويجهن قبل أن يبلغن سن الثامنة عشر.

تداعيات الحرب

على الرغم من أن ظاهرة زواج القاصرات تعود لأسباب اجتماعية، اقتصادية ودينية في بعض المجتمعات السودانية، إلا أن آثار الحرب الأخيرة قد ضاعفت من تفشي هذه الظاهرة، فالظروف الكارثية التي خلفتها النزاعات المسلحة دفعت بعض الأسر إلى تزويج بناتهن في سن مبكرة كوسيلة لحمايتهن من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، لكن الفتيات يجدن أنفسهن في وضع مفروض عليهن، يحملن أعباء لا طاقة لهن بها.

ومنذ اندلاع الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في (15) أبريل الماضي، أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من 2800 شخص، ونزوح أكثر من ثلاثة ملايين آخرين. وتقارير عدة أشارت إلى زيادة حالات الاعتداءات الجنسية، وخاصة في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، المنطقتين اللتين تشهدان أعنف المعارك.

تجارب الضحايا

“وهيبة” هي إحدى ضحايا الزواج المبكر بسبب الحرب الدائرة في السودان حالياً، تقول بأسى: “فرض علي والدي الزواج من ابن عمي الذي يبلغ من العمر 19 عامًا وأنا في الـ14 من عمري، اكتملت المراسم في مطلع مايو الماضي، وكنا قد نزحنا بعد الحرب إلى ولاية بعيدة عن الخرطوم. والآن، بعد أن كنت أحلم بالالتحاق بالجامعة، وجدت نفسي مسؤولة عن أسرة.

تضيف وهيبة أن أسرتها فرضت عليها الزواج نظرًا للظروف الصعبة التي تعيشها، وأنه كان الحل الأنسب لحمايتها من العنف المتزايد الناجم عن النزاع، بالإضافة إلى عجز والدها عن مساعدتها في إتمام دراستها بعد أن فقد عمله بسبب الحرب.

وفي مقابلة مع الحاجة فاطمة التي زوجت ابنتها في سن 13، قالت: “لم يكن هذا ما كنت أتمناه لابنتي الصغيرة التي لا تزال تلعب مع رفقائها في الحي. أخاف عليها من تحمل مسؤولية الزواج وهي لا تعرف شيئًا عن هذا، ولن تستطيع إتمام تعليمها في ظل مستقبل مبهم فرضته الحرب”.

العنف ضد الفتيات

إلى ذلك، أفادت الأمم المتحدة بوجود “زيادة ملحوظة” في العنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان. وقال مدير منظمة “إنقاذ الأطفال” في السودان، عارف نور، إن الأعداد الرسمية من الضحايا هي مجرد غيض من فيض، حيث يتم استهداف فتيات صغيرات في عمر 12 سنة بسبب جنسهن أو عرقهن أو ضعفهن. وأضاف نور أن بعض الآباء يزوجون بناتهم في سن مبكرة في محاولة لحمايتهن من الاعتداءات الجنسية.

وقد وردت تقارير عن حالات اختطاف واعتقال لفتيات لفترات طويلة مع تعرضهن للاعتداء الجنسي، بالإضافة إلى حالات اغتصاب جماعي للنساء والفتيات. كما حذرت منظمات تابعة للأمم المتحدة في بيان مشترك من “زيادة ملحوظة” في تقارير العنف القائم على النوع في ظل استمرار الأعمال العدائية في أنحاء البلاد.

عواقب إنسانية وخيمة

الزواج المبكر له آثار إنسانية وخيمة على الفتيات في السودان، حيث يتم حرمان العديد منهن من حقهن في التعليم، ويتم تحميلهن أعباء تفوق طاقتهن. ويؤدي ذلك إلى تعرضهن لأضرار صحية جراء الزواج في سن مبكرة، فضلاً عن العنف الذي تتعرض له بعضهن. وتصف الباحثة الاجتماعية سمر إبراهيم هذه الظاهرة بأنها “جريمة بكل المقاييس”، مشيرة إلى أن آثار الحروب قد ساهمت في زيادة نسبة زواج اليافعات في المدن التي تشهد نزاعات، وكذلك في مخيمات النزوح، دون النظر إلى العواقب المترتبة على هذه الزيجات.

وتضيف: “آلاف الفتيات حرمن من حقهن في التعليم، وفي اختيار شريك حياتهن، كما أن معظم هذه الزيجات تتم خارج المحاكم، مما يجعلها عرضة للتحول إلى حالات طلاق، ناهيك عن الصدمات النفسية التي تواجهها الفتيات اللاتي يجدن أنفسهن مجبرات على تلبية ما تم اختياره لهن”.

قضية إنسانية

تظل ظاهرة زواج القاصرات في السودان قضية إنسانية وحقوقية معقدة تتطلب تدخلًا عاجلاً على المستويين المحلي والدولي. إن استمرار النزاع المسلح وزيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي يضاعفان من المعاناة التي تتعرض لها الفتيات، ويجب على المجتمع الدولي العمل بشكل مكثف لتوفير الدعم والمساعدة اللازمة لحماية حقوقهن وضمان مستقبل أفضل لهن بعيدًا عن المعاناة والظلم.

أخبار اليوم
اخبار تهمك أيضا