منذ أدائه للقسم رئيسًا لمجلس الوزراء، يقف الدكتور كامل إدريس أمام لحظة فارقة في تاريخ السودان. هي لحظة اختلط فيها الأمل بالخوف، والترقّب بالتوجّس، وعلّق فيها الشعب السوداني آماله الكبيرة على حكومة ينتظر منها أن تفتح أبواب المستقبل وتطوي صفحات الحرب والمعاناة.
المواطن السوداني – الذي أرهقته الحرب وقسوة الحياة وغلاء المعيشة – ينظر اليوم إلى الخرطوم في انتظار تشكيل الحكومة، لا كمجرد خطوة إجرائية، بل كـ”ضربة بداية” حقيقية نحو التغيير المنشود. أما دواوين الدولة، فتعج بالملفات الساخنة والمؤجلة، التي لا تحتمل مزيدًا من التسويف أو التجريب، وعلى رأسها ملفات الاقتصاد، الصحة، التعليم، والخدمات الأساسية، وكل ما يلامس حياة المواطن اليومية.
ولعل من أولى المؤشرات التي لفتت الأنظار، غياب الدكتور هيثم محمد إبراهيم، وزير الصحة الاتحادي السابق، والذي شهد له الجميع – على اختلاف مشاربهم – بالكفاءة والتفاني والعمل بصمت. خسارة قد يشعر بها الشارع، خصوصًا وسط ترقّب شديد لملامح الكابينة الوزارية الجديدة.
لكن ما يثير القلق أكثر، هو الحديث عن ترشيحات لشخصيات ذات مواقف سابقة ضد القوات المسلحة، أو ممن كان لهم موقف رمادي خلال “حرب الكرامة”. فهل ستتغير هذه المواقف الآن؟ وهل سيقودهم العمل الميداني والاطلاع على الحقيقة المجردة إلى مراجعة أنفسهم؟ هل سيكتشفون أن الجيش السوداني لم يكن سوى درع هذا الوطن، ومن وقف خلفه من أبناء الشعب كانوا أصحاب رؤية وطنية نقية، تصدوا لمشروع تفتيت السودان ونهب ثرواته؟
المعادلة لم تعد تحتمل الرمادية. فقد بات واضحًا أن هناك دولًا وأجندات تبحث عن مصالحها في السودان دون أن تكترث لمعاناة شعبه، وتدفع بوجوه محلية تحمل اسم “الوطنية” بينما هي في الحقيقة مجرد أدوات مأجورة تنفذ ما يُطلب منها دون وازع من ضمير أو حب لهذا الوطن.
نحن – ومن موقع المراقبة الحريصة – لا نكتب لنحارب حكومة الأمل، بل لنساندها، بصدق وموضوعية. نمنحها الفرصة، ونطالبها في المقابل بإثبات عملي لحبها للسودان، عبر أداء جاد وقرارات شجاعة، وموقف وطني لا مساومة فيه في معركة الكرامة، جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة، من أجل سودان قوي، موحد، مزدهر.
قد تكون “ضربة البداية” هي الأصعب، لكنها أيضًا الأهم. فإما أن تكون انطلاقة لمرحلة جديدة من البناء والاستقرار، أو خيبة أمل جديدة لا يحتملها هذا الشعب الصابر.

