بالأمس، تناقلت قنوات التواصل الاجتماعي للكشافة السودانية نبأ استشهاد أحد أبناء الحركة الكشفية، الكشاف محمد نور، الذي ارتقى شهيدًا في ميدان الشرف، مدافعًا عن تراب الوطن، في ملحمة الكرامة التي سطر فيها أبناء السودان أروع معاني التضحية والفداء.
الشهيد محمد نور، ابن الثلاثة والعشرين ربيعًا، نشأ وترعرع في أحضان الكشافة السودانية، وتخلق بأخلاقها، وتشرب قيمها النبيلة. هو من أبناء محلية بحري – ولاية الخرطوم، ومن مجموعة القائد الراحل عاصم الجلي، الذي سبقه إلى رحمة الله متأثرًا بالحرب والنزوح، في زمنٍ يئن فيه الوطن من ويلات الصراع.
اللقاء الأول.. وانطباع لا يُنسى
كان أول لقاء لي مع الشهيد محمد نور في الساحة الخضراء – الخرطوم، ضمن فعالية استقبال القائد الدكتور عاطف عبد المجيد، الأمين العام الأسبق للمنظمة الكشفية العربية. كانت الفعالية تحت عنوان “روح التطوع” بتنظيم مجموعة “جانا” الطوعية، بقيادة الإعلامي الفريدوالمتطوع عثمان بشير الجندي، وبالتنسيق مع الإعلامي والقائد الكشفي مصعب الطيب، والمهندس أسامة مصطفى، المدير الإقليمي للجهود الطوعية. المدير الحالي للهلال الاحمر بولاية الخرطوم
لفتني حينها شاب في زيه الكشفي الكامل، متوشحًا نياشين المشاركات، يحمل في عينيه بريقًا من الانتماء والإخلاص. كان ضمن فريق البوصلة الكشفي، تحت إشراف القائد صبري عثمان، ورفقة عدد من القادة الشباب الذين شكلوا معًا روحًا جماعية متألقة.من قادة الاعلام الكشفي بفريق البوصلة عمرو مرزوق ومحمد بينين واحمدطه وعبدالله جعفر وميسرة محمد صالح
شاعرٌ صغير.. بروح وطنية كبيرة
مع مرور الوقت، توطدت علاقتي بالشهيد محمد نور، لا سيما من خلال مشاركته في أنشطة كشافة محليتي بحري وشرق النيل. واكتشفت فيه موهبة شعرية فذة، وأدبًا رفيعًا. كان ممن شاركوا في برنامج “الإعلامي الصغير”، الذي نظمته المنظمة الكشفية العربية بالقاهرة، وتميّز بحصوله على عدة شارات تقديرًا لموهبته وتفوقه، كما ورد في تقرير القائد محمود سعد فرج الله، مفوض الإعلام الاسبق والمفوض الدولي بالكشافة السودانية.
لاحقًا، أثناء إشرافي على العمل الإعلامي لكشافة ولاية الخرطوم في احتفال عيد الاستقلال، تقدم محمد نور بطلب لإلقاء فقرة شعرية لم تكن ضمن البرنامج الرسمي. وبشفاعة قائده الراحل عاصم الجلي، قبلت إدراج فقرته من قبيل المجاملة . وكم كان ذلك القرار صائبًا! إذ ألقى قصيدة عصماء باللغة الدارجة، تفاعل معها الجمهور بشدة، لما حملته من صدق وطني متأجج وولاء عميق للوطن.
شهيد في ساحة المعركة.. كما في ميدان الكلمة
استشهد محمد نور في السامراب، حيث وُلد وعاش، مشاركًا في معركة الدفاع عن الحي وطرد فلول التمرد. لم يكن الشهيد فردًا عاديًا، بل كان نتاجًا لمدرسة الكشافة السودانية، التي لا تزال تقدم قوافل من الشهداء والجرحى في ساحات القتال، وفي مقدمتهم من حوصروا في القيادة العامة، وآخرون لا يزالون صامدين في الفاشر والأبيض.
إن تضحيات هؤلاء الشباب، من أبناء الكشافة، ليست جديدة على هذه المؤسسة العريقة، التي تعد مدرسة الوطنية الأولى، حيث يُغرس حب الوطن في قلوب الناشئة منذ نعومة أظفارهم، وحتى مشيبهم.
الكشافة نبض الوطن
سيظل محمد نور وأمثاله من شهداء الكشافة علامات مضيئة في مسيرة العمل الطوعي والوطني بالسودان. إن استشهاده يذكرنا جميعًا بأن حب الوطن ليس شعارًا يُرفع، بل عمل وتضحية وفداء، وقد جسدها محمد نور كما ينبغي أن تكون.
رحم الله شهيد الكرامة، الكشاف محمد نور، وألحقه بركب الصديقين، وجعل سيرته منارة لأجيالنا القادمة.