26.8 C
Port Sudan
الإثنين, أكتوبر 27, 2025

مرفأ الكلمات.. عثمان عولي.. لاهل الفضل


تم تكريم سعادة العقيد عادل يونس، أحد القيادات البارزة في العمل الدبلوماسي بسفارة السودان بالقاهرة، والمسؤول عن ملف وزارة الداخلية هناك، وأحد الضباط الذين جمعوا بين الانضباط المهني والتواضع الإنساني.
واليوم، وأنا أكتب عنه، أجد نفسي أختار كلماتي بعنايةٍ شديدة، لأن المقام مقام وفاءٍ واعترافٍ بالجميل، ولأن الرجل من أولئك الذين تتحدث عنهم أعمالهم قبل أن تُقال عنهم الكلمات.
الشرطة، في جوهرها، جهاز حساس ارتبط بمحاربة الجريمة وبسط الأمن والطمأنينة، وحين ترى زيّ الشرطة تشعر بالأمان، مصداقاً لقوله تعالى:

“فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف.”
فالأمن هو النعمة التي إذا توفرت اجتمعت معها سائر النعم، ولذلك ظل شعار الشرطة السودانية العظيم “الشرطة في خدمة الشعب” عنواناً نبيلاً لتراث من البذل والعطاء.
وما إن اندلعت الحرب في السودان، حتى أثبتت الشرطة أنها جزءٌ أصيلٌ من معركة الكرامة، قدمت شهداء وجرحى وأبطالاً ما بدلوا تبديلاً، رابطين على الصبر والثبات، وحافظين لأمن البلاد في أحلك الظروف.
وفي هذه المسيرة الطويلة، تتبدل القيادات وتبقى البصمات. بالأمس ترجل اللواء خالد حسان بعد أن ترك إرثاً مهنياً مشرفاً، وتسلم الراية الفريق أمير عبدالمنعم، رجل المواقف الصعبة، الذي تشهد له الميادين قبل الكلمات.
أما حديثنا اليوم، فهو عن أحد فرسان الشرطة الذين خدموا وطنهم بضميرٍ وصدقٍ نادرين — العقيد عادل يونس.
عرفته أول مرة في الخرطوم، لقاء عابر لم يدم طويلاً. لكن الأقدار جمعتني به مرةً أخرى في القاهرة، حيث لجأتُ بسبب الحرب، وكنت في أمسّ الحاجة لاستخراج أرقام وطنية لأبنائي وشهادات ميلادهم لإلحاقهم بالمدارس.
ذهبت إليه في السفارة، فاستقبلني بابتسامةٍ صادقة، وسهّل كل الإجراءات بنفسه، ولم يكتف بذلك، بل رافقني بنفسه إلى القنصل لتذليل العقبات، معتذراً عن ضيق الوقت الذي كاد يحرم أبنائي من التسجيل.
لم أستطع أن أشكره بما يليق، فقد كان عطاؤه أكبر من الكلمات.
ومنذ ذلك اليوم، رأيت فيه ما يندر وجوده في مواقع المسؤولية: إنسانٌ يتألم لألم الآخرين، ويخدم الناس دون تمييزٍ أو مصلحة. كان يحنو على السودانيين العالقين، ويواسي الأسر التي ضاقت بها سبل الحرب، ويمد يد العون للمحتاجين حتى من ماله الخاص دون أن ينتظر شكراً أو مجداً.
العقيد عادل يونس لم يكن مجرد دبلوماسي يمثل وزارة الداخلية، بل كان سفيراً للإنسانية ووجهاً مشرفاً للشرطة السودانية، يعكس صورتها الحقيقية: الانضباط في العمل، والرحمة في التعامل.
تمنيت لو بقي في موقعه قليلاً، فقد نجح في بناء علاقات متميزة مع زملائه في الشرطة المصرية، تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الصادق، وهي علاقات كان يمكن أن تُسهم في توطيد الصلات بين البلدين بما يخدم الوطن والمواطن.
أكتب اليوم عن رجلٍ عظيمٍ من أهل الفضل، وما كتبت إلا بعض ما رأيت.
ويبقى دعائي ختاماً:
اللهم ارزق سعادة العقيد عادل يونس مزيداً من التوفيق والرفعة، وبارك في عمله، واجزه عن وطنه وأهله خير الجزاء.

أخبار اليوم
اخبار تهمك أيضا