تقرير:ابوآصف
في تاريخ الحركة الشعبية لتحرير السودان، برزت أسماء قادة تركوا بصماتهم على مسار الكفاح المسلح والفكر السياسي. ومن بين هؤلاء يبرز اسم الجنرال الزين كيلا، رئيس الحركة الشعبية (الأم)، وأحد المؤسسين الأوائل لمسيرة النضال من أجل سودانٍ موحد يتجاوز الانقسامات القبلية والجهوية.
بدأت رحلة كيلا في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حين انضم إلى حركة أنيانيا تو عام 1981 بقيادة القائد عبد الله شول. وبعد فترة قصيرة، لحق بهم القائد كاربينو كوانين في أعالي النيل، قبل أن يشهد اللقاء المفصلي مع الدكتور جون قرنق دي مابيور عام 1983، وهو اللقاء الذي أرسى لاحقًا أسس الحركة الشعبية لتحرير السودان. إلى جانب قرنق وقيادات أخرى مثل يوسف كوة مكي، فيلب عباس غبوش، صمويل أرو واليابا سرور، شارك كيلا في وضع اللبنات الأولى لما عُرف لاحقًا بـ “الحركة الشعبية الأم”.
خاض الجنرال تجربة طويلة في ميادين القتال والسياسة، متنقلاً بين أدغال الجنوب في أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية. كان شاهدًا ورفيقًا للراحل جون قرنق، الذي تبنّى مشروع “السودان الجديد” القائم على الوحدة والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية. وبالنسبة لكيلا، مثلت تلك الرؤية منطلقًا ثابتًا في مسيرته، حيث ظل يؤمن بأن حل أزمات السودان يكمن في بناء دولة لا مكان فيها للتمييز أو التهميش.
لم يقتصر دوره على سنوات الحرب، بل شارك في مفاوضات السلام التي أثمرت اتفاقية نيفاشا عام 2005، والتي وضعت حدًا للحرب الأهلية الأطول في القارة. غير أن وفاة قرنق المفاجئة مثّلت صدمة كبيرة، وأدت إلى اهتزاز المشروع الوحدوي الذي تبناه قادة الحركة الشعبية الأم. ومع ذلك، واصل كيلا نشاطه السياسي محاولًا التمسك بخط الحركة الأم بعيدًا عن الانقسامات التي عصفت بالحركة بعد الانفصال.
في السنوات الأخيرة، كان للجنرال الزين كيلا حضور بارز في الحوار الوطني ممثلًا للحركة الشعبية الأم، كما شارك في اتفاقية جوبا عام 2020 إلى جانب الجبهة الثورية، مقدّمًا رؤيته حول مستقبل الحكم في السودان. وقد شدد خلال مشاركاته على ضرورة تجاوز الأمراض السياسية التي أعاقت تطور البلاد، مثل المحاصصات الضيقة والعصبيات القبلية، والدعوة إلى مشروع وطني جامع.
يؤكد مقربون منه أن كيلا ظل وفيًا لفكرة السودان الموحّد، وأنه من القادة القلائل الذين يتمسكون بخط “الوحدة” في ظل واقع سياسي متشرذم. ويرى في مشروع الحركة الشعبية الأم إطارًا عمليًا لحل أزمات السودان، معتبرًا أن البلاد تسع جميع أبنائها إذا ما تحققت العدالة وتكافؤ الفرص.
اليوم، وفي ظل التحديات الراهنة التي يمر بها السودان، يواصل الجنرال الزين كيلا الدفاع عن وحدة البلاد وهويتها الجامعة، مستندًا إلى إرث طويل من التجربة الميدانية والسياسية. وبين مناصريه، يُنظر إليه باعتباره من الوطنيين الذين لم يتخلوا عن قناعاتهم رغم تقلبات الأحداث. ورغم العقبات الكثيرة التي تواجه مشروع “السودان الجديد”، يصر كيلا على أن الطريق نحو وطن عادل وموحّد لا يزال ممكنًا.
وهكذا، يبقى الجنرال الزين كيلا جزءًا حيًا من تاريخ الحركة الشعبية، ورمزًا من رموز النضال السوداني، يواصل العمل من أجل أن يتحقق حلمه الأكبر: سودان جديد، يسوده العدل والمساواة، ويستعيد مكانته بين الأمم.

