30.3 C
Port Sudan
الإثنين, أكتوبر 27, 2025

مرفأ الكلمات.. عثمان عولي.. كازقيل: فجر جديد أم صفحة من دماء؟‌


أشرقت كازقيل يوم أمس على مشهد لم يعد يخصّ مجرد معركة ميدانية—بل صار مرآةً تعكس مآل هذا الوطن وأعداده: من جهة، جيشٌ يقاتل من أجل الدولة والتراب والكرامة؛ ومن جهة أخرى، حشود جُنِّدت بمالٍ ومغرياتٍ ودعاوىٍ زائفة. النصر الذي تحقّق في الساعات الأولى من الصباح لم يولّد الفرح وحده، بل أفرز أسئلةً بالغة الأهمية عن طبيعة الحرب، ومن يقودها، ومن يستفيد منها.

الحشد الذي تهاوى أمام قواتنا لم يأتِ من فراغ؛ بل كان ثمرة تجارة حربٍ متقنة تُحاك من وراء ستار الإدارة الأهلية، والمقاولين، وسماسرة النفوذ. أُلقيت آلاف النفوس في متاهة وعودٍ يراد لها أن تبدو موجّهةً ومشروعة: «ادخلوا الأبيض… اغتنموا السيارات… تعِيشوا حياةً مختلفة». وللأسف، كانت هذه الأوهام هي وقودٌ لآلاتٍ قتلت المستقبل أمام أبواب القرى والبلدات.
لا يمكن لأحد أن يتجاهل الدور المعلن لبعض القيادات المحلية، أو الكيانات التي سهلت تجنيد هذه الأعداد، أو الذين وظّفوا الدين والهوية والانتقام كغطاءٍ لنهبٍ مسلّح. تُذكر أسماءٌ ومشاهد—من غرب النوير مروراً بالمسيرية وصولاً إلى دار الرزيقات—تؤكد أن المحرك ليس قضيةً عادلة، بل صفقةً سياسيةً وعسكرية. وهنا يكمن الخطر الحقيقي: تحويل الحرب إلى مهنة، وتحويل الشباب إلى سلع تُباع بأثمانٍ رخيصة.
لكن في وسط هذا المشهد الدموي، برزت أيضاً مكونات وطنية رفضت أن تُستغلّ. فرسان المسيرية وأبناء القبائل الذين انضموا للدفاع عن الأرض لم يفعلوا ذلك بدافعٍ منحه أحدهم، بل بدافع حماية البيت والكرامة والذاكرة. هؤلاء الرجال لم يكونوا «أدوات» للنهب، بل كانوا درعاً سمح للمدن والقرى أن تتنفس. مشاركتهم أمس ليست مجرد نصر عسكري، بل رسالة قومية مفادها أن السودان لا يمكن اختزاله في أجنداتٍ ضيقة.
النتيجة الميدانية لليوم كانت واضحة: مئات القتلى، عشرات المركبات المدمرة، وانسحاب مليشياتٍ آثارها على مساحاتٍ ممتدةٍ من الخراب والفرار. لكن الانتصار على الأرض ليس حلاً نهائياً إن لم يترافق مع استراتيجيةٍ شاملةٍ لإعادة الأمن، ومحاسبة المتحالفين مع آلة الحرب، وإعادة بناء ثقةٍ منهارة في مؤسسات الدولة.
ما بعد كازقيل يجب أن يكون محطة حسابٍ وطنية. أولاً: توسيع القاعدة السياسية للقوات النظامية لتشمل كل مكونات الوطن، وإبعاد السلاح عن أي أيدي خارج مؤسسات الدولة. ثانياً: كشف شبكات التمويل والتجنيد ومحاكمتها—فمن يموّل الحرب لا يمكن أن يُترك ليعيدها من جديد. ثالثاً: برنامجٌ عاجلٌ لإعادة النازحين وتأهيل المناطق المتضررة، لأن الانتصار العسكري لا يكتمل إلا بانتصارٍ إنساني ومعيشي.
كما يجب أن نحذر من الاحتفاء الأحادي الذي يحوّل الانتصار إلى ما يشبه مكافأةً للهوية على حساب الوحدة الوطنية. فشجبنا للمليشيات ودعمنا للقوات النظامية لا يعني تجاهل أسباب الانشقاق أو التهميش. على الدولة أن تقرأ الدرس: إهمال الحاضنة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين يسهّل دوائر الاستغلال والتجنيد.
أخيراً، لا بد من توجيه كلمة إلى أولئك الشباب الذين استُغلّوا بالأمس: أنتم ضحيةٌ قبل أن تكونوا طرفاً. يجب أن يكون لكثيرٍ منكم مسارٌ للعودة—إدماجٌ حقيقيٌ يوفّر وظائف وتعويضات ومصالحة مبنية على العدالة، لا على الانتقام. أما أولئك الذين جنّدوا الحرب من خلف الأبواب المغلقة، فلا يجب أن تُمحى ذنوبهم بتحقيقٍ شكليّ أو صفقاتٍ تعيد إنتاج العنف.
كازقيل أمس لم تكن فقط ساحة قتالٍ عابرة؛ كانت اختباراً لمدى قدرة السودان على التحوّل من رقعةٍ تتنازعها العصابات إلى دولةٍ تقوم فيها القوانين قبل السيوف. والانتصار الحقيقي سيكون عندما نُعلِن نهاية «سوق الحرب» ونسدل الستار على فصولٍ من الدماء بتحقيقٍ للسلام والعدالة والتنمية.
والاصوات ترتفع بالصراخ بان الجيش يريد ان يخرجهم من ديارهم وارضهم فقط لانهم ناصروا المتمردين وكانت قلة من ابنائهم ضمن صفوفهم
ولاكننا نثق تماما في جيشنا ومن ناصرهم لايحاسب احد بجريرة غيره جيش من رحم حواء السودانية لاحب الظلم ولايظلم عنده احد.
سوف تقف الحرب يوما ما وتكون اخلاقنا ومحبتنا لبعضنا البعض عنوانا للتعايش ورقع النسيج الاجتماعي

أخبار اليوم
اخبار تهمك أيضا